الأحد، 21 يوليو 2013

حِكايَة عاشِق


بعد منتصف الليل كان يتسلل للباحة الخلفية من المنزل، اختار تلك الباحة لانعزالها وللاختلاء بنور القمر، يفرش تلك السجادة الحمراء، ويبدأ حكاية عاشق.

 

دع العاشق مع معشوقه، قد نعود إليه لاحقاً، ودعنا قليلاً نتحدث عن ثلاث كلمات يجب معرفتها جيداً لمعرفة أنفسنا، (عبد، عبودية، ومعبود) فالعبد هو الإنسان المتعلق بمولاه، وإرادته تابعه لإرادته، ولا يطلب شيئاً إلا تبعاً لطلب سيده، أما العبودية فهي إظهار منتهى الخضوع للمعبود والتسليم له والطاعة من قبل العبد، لا أود الدخول بالكثير من التفاصيل في ذلك لكني أود الحديث عن إظهار تلك العبودية ولو بالشيء البسيط، فبنهاية الأمر لا فرق بيننا عند الله إلا بتقوانا، إلا بمقدار ما أظهرناه من عبوديتنا.

 

كثيراً ما نغوص ببحر كبرياءنا وننسى لمَ خُلقنا، من أين أتينا إلى ما سنرجع، وكثيراً ما نخرج من حالة العبودية التي خُلقنا لأجلها، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا ليعبدون ) وننشغل بالمعاصي التي دائماً ما نؤجل توبتنا فيها، فما حُكي عن الإمام زين العابدين عليه السلام يمثل لنا خير مثال في تلك القصة التي تتحدث عن الشاب والثلاث جنائز التي مرت عليه فخاف أن يدركه الموت وبدأ بالتفكير بالتوبة إلى الله ورد كل ديونه والاعتذار لمن أخطأ في حقهم وبعد مرور تلك الجنائز سرعان ما يعود إلى بطشه ومعاصيه فيقول عليه السلام بما معناه: مثل هذا الشاب كمثل الغزال، يهرب بأقصى سرعته ويستخدم كل قواه عند مرور الأسد، وبعد ذهابه يرجع لنفس مكانه ليعلف من نفس المنطقة التي كان بها  بخطر، وكأن شيئاً لم يحدث، وباستخدام نفس منهج ذلك الحيوان بالاهتمام ببطنه مع تغافله عن مروره بالخطر في نفس المكان، يعود الشاب لما كان عليه.

"نُراع إذا الجنائزُ قابَلَتنا ونلهو حينَ تمضي ذاهباتِ

كرَوعة ثلّةٍ لمغار سبعٍ   فلمّا غاب عادت راتعات"*

 

هُنا دعوة، هُنا كلمات أرى بها اقتداءً بمولاتي الحوراء زينب روحي فداها رُغم مرضها، هُنا الرسول الأكرم وهو يحدث الإمام علي عليه السلام فيقول له: "يا علي، عليك بصلاة الليل إذا أردت خير الدنيا والآخرة" ، هُنا العبودية والخضوع للرب العظيم، هُنا سرقة دور ذلك العاشق والهيام في عشقه، كل ما أحببت به هنا أن أجعل من ذلك العاشق الذي بداخلك أن يستيقظ، كُن حكاية عاشق، كن مِن مَن يسجلون بسجل المتهجدين في صلاة الليل، فصلاة إحدى عشر ركعة، فإن لم تستطع فصلاة ركعتي الشفع و ركعة الوتر، فإن لم تستطع فصلاة ركعة الوتر، فإن لم تستطع فتوضأ ونم على طهارة.

 

نهاية الحديث.
 
 
..........................................

*الإمام زين العابدين عليه السلام

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

كُن سعيداً


لا أعلم يا أصدقائي مدى صحّة هذه القصة، لكنها أعجبتني سواء أكانت حقيقية أو مجرّد خيال، "يُحكى أن مجموعة مساجين كانوا رُغم وجودهم خلف القضبان إلا أنهم كانوا يعيشون حالة الفرح الدائم، كانوا يقيمون احتفالا في كل يوم، وكان الجميع من دون استثناء يشارك بذلك الاحتفال، والمناسبة كانت غروب شمس يوم جديد من المدة الواجب عليهم قضاؤها في السجن."


ألا يبدو ذلك غريبا بعض الشيء، فهم وراء القضبان محبوسين ومحرومين من الحرية، لهم ثلاث وجبات بأوقات محددة، و مجبورين على الاستئذان لقضاء حاجتهم، ألا ينقصنا شيء هنا؟ فالأمر يبدوا غريبا بعض الشيء، الآية مقلوبة، كيف يمكنهم إقامة احتفالات يومية توحي لنا أنهم بحالة سعادة دائمة؟ كل هذه التساؤلات بسبب أمر واحد فقط، أن الكثير مِن مَن يمتلكون أضعاف ما يملك هؤلاء المساجين من مقومات السعادة بنظر غالبية الناس، كالحرية والأموال والمناصب والمكانة الاجتماعية العالية، إلا أنهم أتعس من يمشي على الأرض، تُرسم على وجوههم البسمات الكاذبة، وكلما زادت ضحكاتهم العالية زادت حرارة دمعاتهم في دواخلهم، فـ "السعادة لا تهبط عليك من السماء .. بل أنت من يزرعها في الأرض"*


وكما قيل أن " السعادة هي أن تتعود على الرضا بما أنت فيه."* هذا تماماً ما فعله المساجين في أول حديثنا، فهم رضوا بما هم فيه، وكانوا يتعاملون مع مشكلتهم بواقعيه في عالم من الخيال، لا عيش الخيالات بعالم الواقع، نحن كذلك، يمكننا زرع سعادتنا بالقرب منا، فالأراضي الصالحة للزراعة قريبه جداً منا، لكنا نحن من ننشغل بالنظر للبعيد بينما ما نرجوه هو القريب.


"كُن قنوعاً بما عندك، تكن سعيداً به."*


*سيد هادي المدرسي